فإن قلتم: حدث ذلك بلا سبب، كان هذا أعجب من قولكم الأول، إذا كان القادر بصير قادرا بعد أن لم يكن، من غير تجدد شيء أوجب قدرته.
وإن قلتم ما ذكره أبو الحسين: المعقول من الفاعل هو المحصل للشيء عن عدم، فيمتنع وجوده في الأزل.
قيل لكم: إن الفاعل لا يكون فاعلا حتى يحصل الشيء عن عدمه، فلا يكون الفعل نفسه، أو المفعول نفسه، قديما.
لكن لم قلتم: إنه يشترط في الفعل المعين عدم غيره؟ ولم قلتم: إنه لا يكون فاعلا لهذه السموات والأرض، حتى لا يكون قبل ذلك فاعلا أصلا ولا يكون فاعلا حتى يكون جنس الفعل منه معدوما بل ممتنعا؟ فهذا غير واجب في المعقول، بل المعقول يعقل أنه حصل الشيء عن عدم.
وإن كان قبل تحصيله حصل غيره عن عدم، وهم قد يقولون: كان في الأول قادرا على الفعل فيما لم يزل، وهذا كلام متناقض، فإنه في حال كونه قادرا لم يكن الفعل ممكنا له عندهم.
فحقيقة قولهم: كان قادرا حين لم يكن قادرا، فإن القادر إنما يكون قادرا على ما يمكنه دون ما لا يمكنه، فإذا كان الفعل في الأزل - وهو الفعل الدائم، أي الذي يدوم جنسه - غير ممكن له مقدورا له، فلا يكون قادرا عليه.
وهذا مما أنكره المسلمون على هؤلاء المتكلمين، وكان هذا من أسباب لعنة بعضهم على المنابر.