وقد قلتم: إن هذا لو كان في الأول لكان نقصاً يحتاج فيه إلى تمام من خارج، فقد أثبتم في الواجب بنفسه نقصاً يحتاج فيه إلى تمام من الخارج، فإن كان هذا جائزاً في الواجب بنفسه، لم يمتنع هذا في الأول المعشوق، بل جاز مع وجوبه بنفسه أن يكون أيضاً عاشقاً مريداً مؤثراً فاعلاً، فيه على أصلكم نقص يحتاج فيه إلى تمام من خارج.
وإذا كان هذا غير ممتنع في الواجب بنفسه، بطل ما ذكرتموه من امتناع ذلك عليه.
وأيضاً فإذا جاز ذلك عليه، لم يكن أحدهما بكونه عاشقاً والآخر معشوقاً أولى من العكس، بل يمكن أن يكون كلاهما محباً للآخر مشتاقاً إليه.
وبتقدير أن يكون هو المحب للعالم المريد له، يكون هو المحدث لما فيه من الحركات.
ثم على هذا التقدير لا يجب أن تكون الأفلاك هي الواجبة بنفسها، بل يمكن أن يقال هناك واجب بنفسه غيرها، ثم إن أحد الواجبين أحدث الأفلاك لما حدث له من الشوق، كما تقولون فيما يحدث بحركة الفلك.
وفي الجملة إذا قالوا: إن العالم واجب الوجود بنفسه، نقضوا كل ما ذكره في المبدأ الأول، ولم يكن لهم حجة على الطبيعية الذين ينكرون الأول.
والطبيعة الذين يقولون: العالم واجب بنفسه، قولهم أفسد من قول هؤلاء الإلهيين منهم كلهم، كما قد بين فساد قولهم في غير هذا الموضع.