وإن قلت: أنا وأولئك النفاة متفقون على النفي لما أثبته هؤلاء.
قيل لك: والطائفة الفلانية والفلانية متفقتان على النفي لما أثبته.
وأعلم أنه ليس من أهل الأرض إلا من يمكن مخاطبته بهذه الطريق، حتى غلاة النفاة من الجهمية والقرامطة والفلاسفة، فإنهم لا بد أن يثبتوا شيئاً من السمعيات بوجه من الوجوه، إذ لا يمكن أحداً من الطوائف أن ينفي جميع ما أثبته السمع من القضايا الخبرية والطلبية.
وإذا قال: أنا أثبت ما جاء به السمع لكوني علمته بالعقل، لا لمجيء السمع به أمكن أن يجاب بمثل ذلك في إثبات العلو والصفات أيضاً، وأمكن أن يجاب بجواب آخر، وهو: أن كل من أقر بالنبوات بوجه من الوجوه، فلا بد له أن يثبت بأقوال الأنبياء ما تكون الحجة فيه مجرد قولهم، ولو أنه من الأمور العلمية السياسية، فإن هؤلاء كلهم لا بد لهم من العمل بالشرائع: إما في الظاهر، وإما للجمهور، وإما أوائل سلوكهم.
وإن كان ممكن لا يثبت النبوات بوجه، فلا بد له من العمل بقول غير الأنبياء، كالملوك والفلاسفة ونحوهم.
بل لا بد للإنسان أن يفهم كلام بني جنسه، إذ الإنسان مدني بالطبع، لا يستقل بتحصيل مصالحه، فلا بد لهم من الاجتماع للتعاون على المصالح، ولا يتم ذلك إلا بطريق يعلم به بعضهم ما يقصده غيره.