وأبطل التسلسل قد بقي هنا كلام آخر وهو إبطال الدور وهو أن يكون هذا يترجح بذاك، وذاك يترجح بهذا.
قال واعلم أن الدور باطل والمعتمد في إبطاله أن يقال العلة متقدمة على المعلول، ولو كان كل منهما علة للآخر لكان كل منهما متقدماً على الآخر فيكون كل منهما متقدماً على المتقدم على نفسه فيلزم تقدم كل منهم على نفسه وهو محال.
وأورد على هذا ما مضمونه أن التقدم أن كان غير كون أحدهما علة للآخر فلا نسلم الأولى، وإن كان هو كون أحدهما علة للآخر كان اللازم هو الملزوم، فيكون المعنى لو كان أحدهما علة للآخر لكان للآخر.
ثم قال والإنصاف أن الدور معلوم البطلان بالضرورة ولعل الشيخ إنما تركه لذلك.
قلت: هذا هو الصواب فإن بطلان الدور معلوم بالضرورة، ولأجل هذا لا يخطر لأكثر العقلاء حتى يحتاجوا إلى نفيه عن قلوبهم، كما لا يخطر لهم أن الفاعل للموجودات يكون معدوماً، ولا يخطر لهم أن الشيء يحدث أو يكون لا بنفسه ولا بغيره، بل ولا يخطر لهم أنه يمكن أن يكون مفعولات متعاقبة لا فاعل لها، وهو تسلسل العلل فيكون معلول مفعول لمعلول مفعول، والمعلول معلول لمفعول آخر لا إلى نهاية فأكثر الذهان الصحيحة لا يخطر لها إمكان هذا