وحينئذ فيستدل بهذا على ذلك من لم يفهم الامتناع من لفظ العلة.
وأما من فهم الامتناع من لفظ العلة، كما عليه جمهور الفطر السليمة فلا يحتاج إلى هذا.
ولكن كون الشيء دليلاً على الشيء معناه أنه يلزم من ثبوته ثبوته.
والشيئان المتلازمان كل منهما يصلح أن يكون دليلاً على الآخر، ثم من شأن الإنسان أن يستدل بالظاهر على الخفي، لكن الظهور والخفاء من الأمور النسبية، فقد يظهر لهذا ما لا يظهر لهذا، وقد ظهر للإنسان في وقت ما يخفي عليه في وقت آخر.
فلهذا أمكن أن يستدل بهذا على ذاك، وبذاك على هذا، إذا قدر إن هذا أظهر من ذاك تارة، وذاك أظهر من هذا أخرى، وإما بحسب شخصين، وإما بحسب حالين.
وهذه المعاني من تفطن لها انجلت عنه شبه كثيرة فيما يورده الناس على الحدود والأدلة التي قد يقال إنه لا فائدة فيها ولا حاجة إليها، وذاك صحيح وقد يقال: بل ينتفع بها وهذا أيضاً صحيح.
لكن من حصر العلم بطريق عينه، هو مثل واحد معين ودليل معين، أخطأ كثيراً كما أن من قال: إن حد غيره ودليله لا يفيد بحال أخطأ كثيراً، وهذا كما أن الذين أوجبوا النظر، وقالوا: لا يحصل العلم إلا به مطلقاً، أخطأوا والذين قالوا: لا حاجة إليه بحال، بل المعرفة دائماً ضرورية لكل أحد في كل حال أخطأوا بل المعرفة