وهذا مما يسلكه أمثال هؤلاء يذكرون أقساماً مقدرة تقديراً ذهنياً ولا يقيمون الدليل على إمكان كل من الأقسام ولا وجوده وإنما يذكرون مجرد تقدير ذلك، ويبنون على ذلك التقدير بناء من قد أثبته في الخارج، وهو لم يثبتوه في الخارج كما ذكرنا نظائر ذلك في مواضع.
والمقصود هنا أن قول القائل: كل موجود إذا التفت إليه من حيث ذاته من غير التفات إلى غيره فإما واجب وإما ممكن إنما يصح إذا علم أن الموجود في الخارج له ذات يمكن أن لا يلتفت معها إلى غيرها، ليقال إن تلك الذات إما واجبة وإما أن يجب لها الوجود وإما أن لا يجب.
وأما إذا كان لا شيء في الخارج إلا الموجود: إما بنفسه وإما بغيره، فالموجود بغيره إذا التفت إليه من غير التفات إلى غيره فلا ذات له يمكن الالتفات إليها حتى يقال: إنها ممكنة قابلة للوجود والعدم، بل هذا الذي قدر انه موجود بغيره إذا لم يلتفت إلى غيره فلا حقيقة له أصلاً: لا وجود ولا غيره، ولا هناك ما يكون ممكن الوجود أصلاً.
فهذا التفسير لا يصح الاستدلال به إلا بعد إثبات ذات محققة في الخارج، مغايرة لما هو في الخارج من الوجود، ولما لم يثبت هذا القسم كان الاستدلال باطلاً.