فصار وجود الرسول صلي الله عليه وسلم عندهم كعدمه في المطالب الإلهية وعلم الربوبية، بل وجوده ـ علي قولهم ـ أضر من عدمه، لأنهم لم يستفيدوا من جهته شيئاً، واحتاجوا إلي أن يدفعوا ما جاء به: إما بتكذيب، وإما بتفويض، وإما بتأويل، وقد بسط هذا في غير هذا الموضع.
فإن قالوا: لا يتصور أن يعلم أنه أخبر بما ينافي العقل، فإنه منزه عن ذلك، وهو ممتنع عليه.
قيل لهم: فهذا إقرار منكم بامتناع معارضة الدليل العقلي للسمعي.
فإن قالوا: إنما أردنا معارضة ما يظن أنه دليل وليس بدليل أصلاً، أو يكون دليلاً ظنياً لتطرق الظن إلي بعض مقدماته: إما في الإسناد، وإما في المتن كإمكان كذب المخبر أو غلطه، وكإمكان احتمال اللفظ لمعنيين فصاعداً.
قيل: إذا فسرتم الدليل السمعي بما ليس بدليل في نفس الأمر، بل اعتقاد دلالته جهل، أو بما يظن أنه دليل وليس بدليل، أمكن أن يفسر الدليل العقلي المعارض للشرع بما ليس بدليل في نفس الأمر، بل اعتقاد دلالته جهل، أو بما يظن أنه دليل وليس بدليل.
وحينئذ فمثل هذا ـ وإن سماه أصحابه براهين عقلية أو قواطع عقلية، وهو ليس بدليل في نفس الأمر، أو دلالته ظنية ـ إذا عارض ما هو دليل