وأيضاً فإن القائل: إن هذه الجواهر المشهودة متماثلة في الحقيقة، ولكن الفاعل المختار خص كلا منها بصفات تخالف بها الآخر، يقتضي أن لها حقيقة مجردة عن جميع الصفات التي اختلفت فيها، فيكون الماء المشهود له حقيقة غير هذا الماء المشهود، والنار المشهودة لها حقيقة غير هذه النار المشهودة ويكون ما خالف به هذا لهذا في الماء والنار أمراً عارضاً لتلك الحقيقة لا صفة ذاتية لها ولا لازمة.
وهذا مكابرة للحس، وأيضاً فعلى هذا القول لا يكن لشيء من الموجودات صفة ذاتية ولا صفة لازمة لذاته أصلاً بل كل صفة يوصف بها عارضة له يمكن زوالها مع بقاء حقيقته لأن كل ما اختلفت به الأعيان أمر عارض لها ليس بداخل في حقيقتها عند من يقول بتماثل الجواهر والأجسام.
وحينئذ فيكون الإنسان الذي هو حيوان ناطق يمكن زوال كونه حيواناً وكونه ناطقاً، مع بقاء حقيقته وذاته وكذلك الفرس يمكن زوال حيوانيته وصاهليته مع بقاء حقيقته وذاته وهكذا كل الأعيان.
ثم يقال: إذا قدرنا عدم هذه الصفات التي هي لازمة للأنواع وذاتية لها، لم يبق هناك ما يعقل كونه جوهراً لا مماثلاً ولا مخالفاً فإنا إذا نظرنا إلى هذا الإنسان وقدرنا أنه ليس بحي ولا ناطق ولا ضاحك