موضعه فما يفهمه إلا الذكي الذي مرن ذهنه على تسليم المقدمات التي بها يفسدون ذهنه أو على تصور أقوالهم المتناقضة فإن كان من متابعيهم نقلوه من درجة إلى درجة، كما تفعل القرامطة بنقل المستجيبين لهم من درجة إلى درجة، وكذلك هؤلاء الجهمية النفاة لا يمكنهم أن يخاطبوا ذكياً ولا بليداً بحقيقة قولهم، إن لم يتقدم قبل ذلك منه تسليم لمقدمات وضعوها، تتضمن ألفاظاً مجملة، يلبسون بها لعيه الحق بالباطل، فيبقى ما سلمه لهم من المقدمات، مع ما فيه من التلبيس والإبهام، حجة لهم عليه فيما ينازعهم فيه، إلى أن يخرجوه أن تمكنوا من العقل والدين كما تخرج الشعرة من العجين، فإن من درجات دعوتهم الخلع والسلخ وأمثال هذه العبارات.
وقد رأيت كتبهم فرأيتهم يحتجون على طوائف المسلمين الذين فيهم بدعة بما وافقوهم عليه من البدعة، كما احتج ابن سينا على المعتزلة، ونحوهم من نفاة الصفات، بما وافقوه عليه من هذه الأقوال المبتدعات، وإلا فالفطر السليمة تنكر أقوال النفاة، إذ قد توافق على إنكارها الفطر والمعقول، والسمع المنقول، وإنما يخالف بنوع من الشبه الدقيقة، التي هي من أبطل الباطل في الحقيقة.
ولقد حدثني بعض أصحابنا أن بعض الفضلاء، الذين فيهم نوع