ثم إن جهم بن صفوان رد عليهم كرد أرسطو وابن سينا وأمثالهم من المشائين على الطبيعيين منهم، وهؤلاء يثبتون وجوداً عقلياً غير الوجود المحسوس، ويعتقدون أنهم بهذا الرد أبطلوا قول أولئك، كما تقدم حكاية قول ابن سينا لما تكلم على الوجود وعلله، وقال: قد يغلب على أوهام الناس أن الموجود هو المحسوس وأبطل هذا القول بإثبات الكليات وقد تقدم التنبيه على فساد هذه الحجة، وأن الكليات تكون في الأذهان لا في الأعيان.
ومن لم يقر إلا بالمحسوس إنما نازع في الموجودات الخارجية، لم ينازع في المعقولات الذهنية، وإن نازع في ذلك حصلت الحجة عليه بإثبات المعقولات الذهنية فتبقى الوجودات الخارجية وهي الأصل.
والحجة التي ذكرها أحمد عن الجهم انه احتج بها على السمنية، هي من أعظم حجج هؤلاء الثقاة الحلولية منهم ونفاة الحلول والمباينة جميعاً فإن النفاة تارة يقولون بالحلول والاتحاد أو نحو ذلك وتارة يقولون لا مباين للعالم ولا داخل فيه.
والشخص الواحد منهم يقول هذا تارة، وهذا تارة فإنهم في حيرة، والغالب على متكلميهم نفي الأمرين، والغالب على عبادهم وفقهائهم وصوفيتهم وعامتهم الحلول، فمتكلموهم لا يعبدون شيئاً ومتصوفتهم يعبدون كل شيء.