بعقلهم أنهم لا يثبتون شيئاً، وأن المسلمين يعرفون أنهم لا يعبدون شيئاً، وبين أن الجاهل إذا سمع قولهم يظن أنهم من أشد الناس تعظيماً لله، ولا يشعر أنهم إنما يقودون قولهم إلى فرية في الله.
وهذا الذي ذكره الإمام أحمد أصل قول هؤلاء النفاة الجهمية، وسر مذهبهم، وكلما كان الرجل أعقل وأعرف، وأعلم وأفضل، وأخبر بحقيقة الأمر في نفسه، وبقول هؤلاء النفاة أزداد في ذلك بصيرة وإيماناً ويقيناً وعرفانا.
وقد ذكر ابن جرير في تاريخه نسخة الكتاب الذي أرسل في المحنة المشهورة لما كان المأمور قد ذهب إلى ناحية طرسوس، وأرسل كتاباً إلى الناس ببغداد، وأمر نائبه إسحاق بن إبراهيم أن يقرأه على الناس، ويدعوهم إلى موافقته، فامتنع العلماء عن الإجابة، حتى أرسل كتاباً يهدد بن الناس، وأمر بقتل القاضيين إذا لم يجيبا: قاضي الشرقية والغربية، وهما: بشر بن الوليد وعبد الرحمن بن إسحاق فأجاب الناس كرها، واعترفوا بذلك، وامتنع عن الإجابة سبعة فقيدوهم فأجاب منهم خمسة، وبقي أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح النيسابوري، فأرسلوهما مقيدين، فمات محمد بن نوح في الطريق، فبقي أحمد بن حنبل، ومات المأمون قبل أن يصير إليه أحمد