ومعلوم أن المقصود بالخطاب والإفهام، وهذا لم يستفد من الخطاب والإفهام، فإن الحق لم يستفده من الخطاب بل من عقله، والمعنى الذي دل عليه الخطاب الدلالة المعروفة لم يكن المقصود بالخطاب إفهامه، وذلك المعنى البعيد الذي صرف الخطاب إليه، قد كان عالما بثبوته بدون الخطاب، ولم يدل عليه الخطاب الدلالة المعروفة، بل تعب تعباً عظيما حتى أمكنه احتمال الخطاب له، مع أنه لا يعلم أن المخاطب أفاده بالخطاب، فلم يكن له خطاب الله ورسوله على قول هؤلاء، لا إفهام ولا بيان، بل قولهم يقتضي أن خطاب الله ورسوله إنما أفاد تضليل الإنسان، وإتعاب الأذهان، والتفريق بين أهل الإيمان، وحصول العداوة بينهم والشنآن، وتمكين أهل الإلحاد والطغيان، من الطعن في القرآن والإيمان.
وأما إن لم يكن عنده ما يعارض النص، مما يسمى رأياً ومعقولا وبرهاناً ونحو ذلك، فإنه لا يجزم بأنه ليس في عقول جميع الناس ما يناقض ذلك الخبر الذي أخبر الله به رسوله، ومن المعلوم أن الدلالات التي تسمى عقليات، ليس لها ضابط، ولا هي منحصرة في نوع معين، بل ما من أمة إلا ولهم ما يسمونه معقولات.
واعتبر ذلك بأمتنا، فإنه ما من مده إلا وقد يبتدع بعض الناس بدعاً، يزعم أنها معقولات.