وأما أهل اللغة فالنقيضان عندهم أعم من هذا كله، كالمتنافيين، فكل ما نفى أحدهما الآخر فقد نقضه وأزاله وأبطله، فيسمونه نقيضه.
وللمتفلسفة المشائين اصطلاح آخر في المتقابلين بالسلب والإيجاب، يسمونه تقابل العدم والملكة، وهو نفي الشيء عما من شأنه أن يكون قابلاً له، كنفي السمع والبصر والكلام عن الحيوان، فإنه يسمى عمىً وصمماً وبكماً، لأن الحيوان يقبل هذا وهذا، بخلاف نفي ذلك عن الجماد كالجدار، فإنه لا يسمى في اصطلاحهم عمىً ولا صمماً ولا بكماً، لأن الجدار لا يقبل ذلك.
ثم إنهم تذرعوا بذلك إلى سلب النقيضين عن الخالق تعالى، فاحتج السلف والأئمة وأهل الإثبات بأن الخالق سبحانه لو لم يوصف بالسمع والبصر والكلام، ونحو ذلك من صفات الكمال، لوجب أن يوصف بما يقابل ذلك من الصمم والعمى والبكم ونحو ذلك من صفات النقص.
فقال لهم هؤلاء: العمى والبصر والبكم والكلام متقابلان تقابل العدم والملكه، وهو سلب الشيء عما من شأنه أن يكون قابلاً له كالحيوان، فأما ما لا يقبل ذلك كالجماد، فلا يوصف بعمى ولا بصر ولا كلام ولا بكم ولا سمع ولا صمم، ولا حياة ولا موت.