فإن قيل: نحن جازمون بصدق الرسول فيما أخبربه، وأنه لا يخبر إلا بحق ن لكن إذا احتج علي خلاف ما اعتقدناه بشيء مما نقل عن الرسول يقبل هذه المعارضة للقدح: إما في الإسناد وإما في المتن:
إما أن نقول: النقل لم يثبت، إن كان مما لم تعلم صحته، كما تنقل أخبار الآحاد وما ينقل عن الأنبياء المتقدمين.
وإما في المتن بأن نقول: دلالة اللفظ علي مراد المتكلم غير معلومة، بل مظنونة، إما في محل النزاع، وإما فيما هو أعلم من ذلك، فنحن لا نشك في صدق الرسول، بل في صدق الناقل، أو دلالة المنقول علي مراده.
قيل: هذا العذر باطل في هذا المقام لوجوه:
أحدها: أن يقال لكم: فإذا علمتم أن الرسول أراد هذا المعني، إما أن تعملوا مراده بالاضطرار، كما يعلم أنه أتي بالتوحيد والصلوات الخمس والمعاد بالاضطرار، وإما بأدلة أخري نظرية، وقد قام عندكم القاطع العقلي علي خلاف ما علمتم أنه أراده، فكيف تصنعون؟
فإن قلتم: نقدم العقل، لزمكم ما ذكر من فساد العقل المصدق للرسول، مع الكفر وتكذيب الرسول.
وإن قلتم: نقدم قول الرسول، أفسدتم قولكم المذكور الذي قلتم فيه العقل أصل النقل، فلا يمكن تقديم الفرع علي أصله.
وإن قلتم: يمتنع معارضة العقل الصريح بمثل هذا السمع، لأنا علمنا مراد الرسول قطعاً.