وكذلك من قال: إن الدليل السمعي لا يعلم به مراد المتكلم، كما يقول الرازي ومتبعوه الذين يزعمون أن الأدلة السمعية لا تفيد اليقين بمراد المتكلم، فهؤلاء ليس عندهم دليل شرعي يفيد العلم بما أخبر به الرسول، فكيف يعارضون ذلك المعقول.
وكذلك أيضا من عرف أن معقولاتهم التي يعارضون بها الشرع باطلة، امتنع أن يعارض بها دليلاً ظنياً عنده، فضلاً عن أن يعارض بها دليلا يقينياً عنده، ولهذا كان الذين صرحوا بتقديم الأدلة العقلية على الشرعية مطلقاً، كأبي حامد والرازي ومن تبعهم، ليس فيهم من يستفيد من الأنبياء علماً بما أخبروا به، إذا لم يكونوا مقرين بأن الرسول بلغ البلاغ المبين المعصوم، بل إيمانهم بالنبوة فيه ريب: إما لتجويز أن يقول خلاف ما يعلم، كما يقول ابن سينا وأمثاله، وإما لتجويز أن يكون لا عالماً بذلك، كما تقوله طائفة أخرى، وإما لأنه جائز في النبوة - لم يجزم بعد بأن النبي معصوم فيما يقوله، وأنه بلغ البلاغ المبين، فلا تجد أحداً ممن يقدم المعقول مطلقاً على خبر الرسول إلا وفي قلبه مرض في إيمانه بالرسول، فهذا محتاج أولاً إلى أن يعلم أن محمداً رسول الله الصادق المصدوق، الذي لا يقول على الله إلا الحق، وأنه بلغ البلاغ المبين، وأنه معصوم عن أن يقره الله على خطأ فيما بلغه وأخبر