وكثيراً ما يرى الإنسان صورة اعتقاده، فيكون ما يحصل له بمكاشفته ومشاهدته هو ما اعتقده من الضلال، حتى أن النصراني يرى في كشفه التثليث الذي اعتقده، وليس أحد من الخلق معصوماً أن يقر على خطأ إلا الأنبياء، فمن أين يحصل لغير الأنبياء نور إلهي تدرك به حقائق الغيب وينكشف له أسرار هذه الأمور على ما هي عليه، بحيث يصير بنفسه مدركاً لصفات الرب وملائكته، وما أعده الله في الجنة والنار لأوليائه وأعدائه؟ .
وهذا الكلام أصله من مادة المتفلسفة والقرامطة الباطنية، الذين يجعلون النبوة فيضاً من العقل الفعال على نفس النبي، ويجعلون ما يقع في نفسه من الصور هي ملائكة الله، وما يسمعه في نفسه من الأصوات هو كلام الله، ولهذا يجعلون النبوة مكتسبة، فإذا استعد الإنسان بالرياضة والتصفية فاض عليه ما فاض على نفوس الأنبياء، وعندهم هذا الكلام باطل باتفاق المسلمين واليهود والنصارى.
ومع هذا فإن هؤلاء لا يقولون: إن كل أحد يمكنه أن يدرك بالرياضة ما أدركه من هو أكمل منه، فلا يتصور على هذا الأصل أن يدرك عامة الخلق ما أدركه النبي صلى الله عليه وسلم، ولو فعلوا ما فعلوا، فإن كان العلم بما أخبر به لا يعلم إلا بهذا الطريق، لم يمكنه معرفته بحال.
ثم من المعلوم أن هذا لو كان ممكناً، لكان السابقون الأولون أحق