والمراد هنا أن يعرف أن المعقولات التي هي العلوم الكلية الثابتة في النفس لا ينازع فيها عاقل.
وكذلك تصور المعينات الموجودة في الخارج، سواء كان المتصور عيناً قائمة بنفسها، أو معنى قائماً بالعين، وسواء سمي ذلك التصور تعقلاً أو تخيلاً أو توهماً، فليس المقصود النزاع في الألفاظ، بل المقصود المعاني.
وإذا عرف أن الإنسان يقوم به تصور لأمور معينة موجودة في الخارج، وتصور كلي مطابق للمعينات، تبين ما وقع من الاشتباه في هذا الباب.
فقول القائل: إن حكم الوهم أو الخيال قد يناقض حكم العقل: إذا أراد به أن التصور المعين الذي في النفس لما هو محسوس، أو لما يحسه، كالعداوة والصداقة، قد يناقض العقل الذي حكمه كلي عام - كان هذا باطلاً.
وإن أراد به أن العقل يثبت أموراً قائمة بنفسها، تقوم بها معاني، وتصوره للمحسوسات ولما قام بها يناقض ذلك - كان هذا أيضاً باطلاً، فإنه لا منافاة بين هذا وهذا، وذلك لأن الكلام ليس في مناقضة تصور الجزئيات للكليات، بل في تناقض القضايا الكلية بالسلب والإيجاب.