ويحرمه لكون المتكلم به بلا علم، كما قال تعالى {ولا تقف ما ليس لك به علم}[الإسراء: ٣٦] ، وقوله تعالي {وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}[الأعراف: ٣٣] ، وقوله {ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم} آل عمران: ٦٦] .
ويحرمه لكونه جدالاً في الحق بعد ما تبين، كقوله تعالى {يجادلونك في الحق بعد ما تبين} الأنفال: ٦] ، وقوله تعالى {ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق}[الكهف: ٥٦] .
وحينئذ فالدليل الشرعي لا يجوز أن يعارضه دليل غير شرعي، ويكون مقدماً عليه، بل هذا بمنزلة من يقول: إن البدعة التي لم يشرعها الله تعالي تكون مقدمة علي الشرعة التي أمر الله بها، أو يقول: الكذب مقدم علي الصدق، أو يقول، خبر غير النبي صلي الله عليه وسلم يكون مقدما علي خبر النبي، أو يقول: ما نهي الله عنه يكون خيراً مما أمر الله به، ونحو ذلك، وهذا كله ممتنع.
وأما الدليل الذي يكون عقلياً أو سمعيا من غير أن يكون شرعيا، فقد يكون راجحا تارة ومرجوحا أخري، كما أنه قد يكون دليلا صحيحا تارة، ويكون شبهة فاسدة أخري، فما جاءت به الرسل عن الله تعالي إخباراً أو أمراً لا يجوز أن يعارض بشيء من الأشياء، وأما ما يقوله الناس فقد يعارض بنظيره، إذ قد يكون حقا تارة وباطلاً أخري، وهذا مما لا ريب فيه لكن من الناس من يدخل في الأدلة الشريعة ما ليس منها، كما أن منهم من يخرج منها ما هو داخل فيها، والكلام هنا علي جنس الأدلة، لا علي أعيانها.