وكذلك الملائكة فلولا تمتع أهل الجنة بذلك التسبيح، الذي هو لهم كالنفس، لم يكن الأمر كذلك.
وقد ثبت في الحديث الصحيح المتقدم قوله:«فما أعطاهم شيئاً أحب إليهم من النظر إليه» .
والثالث: أن يراد: أن العبد لا يرهب مما يضره كألم العذاب، ولا يرغب فيما يحتاج إليه كالطعام والشراب، فهذا ممتنع، فإن ما جعل الله العبد محتاجاً إليه متألماً إذا لم يحصل له، لا بد أن يرغب في حصوله، ويرهب من فواته، وما كان ملتذاً به غير متألم بفواته، كأكل أهل الجنة وشربهم، فهذا يرغب فيه ولا يرهب من فواته، فوجود تلك اللذة العليا الحاصلة بمعرفة الله ورؤيته لا ينافي وجود لذات أخر حاصلة بإدراك بعض المخلوقات، ومن نفى الأولى من الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم فقط أخطأ، ومن نفى الثانية من المتفلسفة والمتصوفة على طريقهم فقد أخطأ، ومع أن هؤلاء المتفلسفة لا يثبتون حقيقة الأولى، فإنهم لا يثبتون أن الرب تحبه الملائكة والمؤمنون، وإنما يجعلون الغاية تشبههم به، لا حبهم إياه، وفرق بين أن تكون الغاية كون هذا مثل هذا،