للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن أريد به توهم معان في غير الرب، فتلك لا يحتاج إليها في عبادته تعالى، ولا يحتاج العابد لله إلى أن يتصور ما يناسب محبته لله وعبادته، بشعوره بما يوجب محبة الله وعبادته إياه دون ما سواه، فإن عبادة الله وحده تحصل إذا عرف من الله ما تحصل به محبته لله، فلا يحتاج أن يعرف من غيره ما يوجب محبته لله، ولو قدر أن تصور لغيره يوجب محبته، فقد جعل طلب ما يوجب انجذاب قوة التخيل والوهم إلى التوهمات المناسبة للأمر القدسي.

فهذه الأمور، سواء كانت صفات لله أو أموراً تقتضي محبة الله، فإنه جعلها من باب التوهم.

وهذا يوجب كون الله عالياً على خلقه من وجوه:

أحدهما: أنه قد ذكر أن الحيوانات - ناطقها وغير ناطقها - تدرك في المحسوسات الجزئية معاني جزئية غير محسوسة ولا متأدية من طريق الحواس، وهذا قوة الوهم كما تقدم.

فإذا كان قد قال مع ذلك: أنه لا بد من تطويع القوة الأمارة للقوة المطمئنة، لتنجذب قوى التخيل والتوهم إلى التوهمات المناسبة للأمر القدسي، منصرفة عن التوهمات المناسبة للأمر السفلي، والتوهمات المناسبة لإرادة الله وحده إنما تكون بتصور معنى فيه يوجب انجذاب القلب إليه.

وهو سبحانه يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه، فإنه واحد لا شريك له، وهم يقولون: انحصر نوعه في شخصه، فلا يجوز أن يكون

<<  <  ج: ص:  >  >>