فيكون نقيضه حقاً، وهو إقرار الأدلة الشرعية علي مدلولاتها، ومن خرج عن ذلك لزمه من الفساد ما لا يقوله إلا أهل الإلحاد.
وما ذكرناه من لوازم قول التفويض: هو لازم لقولهم الظاهر المعروف بينهم، إذ قالوا: إن الرسول كان يعلم معاني هذه النصوص المشكلة المتشابهة، ولكن لم يبين للناس مراده بها، ولا أوضحه إيضاحاً يقطع به النزاع.
وأما علي قول أكابرهم: إن معاني هذه النصوص المشكلة المتشابهة لا يعلمه إلا الله، وأن معناها الذي أراده الله بها هو ما يوجب صرفها عن ظواهرها ـفعلي قول هؤلاء يكون الأنبياء والمرسلون لا يعلمون معاني ما أنزل الله عليهم من هذه النصوص، ولا الملائكة، ولا السابقون الأولون، وحينئذ فيكون ما وصف الله به نفسه في القرآن، أو كثير مما وصف الله به نفسه، لا يعلم الأنبياء معناه، بل يقولون كلاماً لا يعقلون معناه، وكذلك نصوص المثبتين للقدر عند طائفة، والنصوص المثبتة للأمر والنهي والوعد والوعيد عند طائفة، والنصوص المثبتة للمعاد عند طائفة.
ومعلوم أن هذا قدح في القرآن والأنبياء، إذ كان الله أنزل القرآن، وأخبر أنه جعله هدي وبياناً للناس، وأمر الرسول أن يبلغ البلاغ المبين، وأن يبين للناس ما نزل إليهم وأمر بتدبر القرآن وعقله، ومع هذا فأشرف ما فيه ـوهو ما أخبر به الرب عن صفاته، أو عن كونه خالقاً لكل شيء، وهو بكل شيء عليم، أو عن كونه أمر ونهي، ووعد وتوعد، أو عما أخبر به عن اليوم الآخر ـ لا يعلم أحد معناه، فلا يعقل ولا يتدبر، ولا يكون الرسول بين للناس ما نزل إليهم، ولا بلغ البلاغ المبين.