المستحيلة الممتنعة في المخلوق، التي لا تثبت في التوهم، ويقولون: يجوز أن نصفه بما يمتنع تصوره وتوهمه في غيره من هذا السلوب، فإذا جوزوا أن يوصف بما يمتنع تصوره في سائر الموجودات، فليصفوه بسائر الممتنعات من الموجودات، فيقولوا: لا هو قديم ولا محدث، ولا قائم بنفسه ولا بغيره، ولا متقدم على غيره ولا مقارن له، ونحو ذلك، ويقولوا: هذا إنما يمتنع في غيره من الموجودات لا فيه.
وحينئذ فيقولون: لا هو حي ولا ميت، ولا عالم ولا جاهل، ولا قادر ولا عاجز، ولا موجود ولا معدوم، وهذا منتهى قول القرامطة، وهو جمع النقيضين، أو رفع النقيضين.
ومن المعلوم أن العقل إذا جزم بامتناع اجتماع الأمرين، أو امتناع ارتفاعهما، سواء كان أحدهما وجوداً والآخر عدماً، وهو التناقض الخاص، أو كانا وجودين،، فإنا نعلم ذلك ابتداءً بما نشهده في الموجودات التي نشهدها، كما أن ما يثبت من الصفات كالحياة والعلم والقدرة والكلام وأمثال ذلك، إنما نعلمه ابتداء بما نعلمه في الموجودات التي نعرفها، ثم إذا اخبرنا الصادق المصدوق عن الغيب الذي لا نشهده، فإنما نفهم مراده الذي أراد أن يفهمنا إياه لما بين ما أخبر به من الغيب، وبين ما علمناه في الشاهد من القدر الجامع الذي فيه نوع تناسب وتشابه، فإذا أخبرنا عما الجنة من الماء واللبن والعسل والخمر والحرير والذهب، لم نفهم ما أراد إفهامنا إن لم نعلم هذه الموجودات في الدنيا، ونعلم أن بينها وبين ما في الجنة قدرا مشتركاً وتناسباً