وهذا حق، لكنه يدل على أن المحدث لا بد له من قديم، فيلزم ثبوت قديم، لكن لا يلزم من ذلك عندهم أن يكون واجب الوجود ثابتاً إلا بذلك التقسيم، إذ كانوا يجوزون على القديم، أن يكون ممكن الوجود، فإذا قالوا: القديم إن كان ممكناً فلا بد له من واجب، لم يمكنهم إثبات واجب إلا بإثبات هذا الممكن، وهذا ممتنع، وهو أيضاً مستلزم للدور، فإنه لا يمكنهم إثبات واجب الوجود إلا بإثبات ممكن الوجود، ولا يمكن إثبات ممكن الوجود إلا بإثبات أن المحدث ممكن وله فاعل، وذلك لا يستلزم إلا إثبات قديم، والقديم عندهم لا يجب أن يكون واجب الوجود، فلا يمكنهم أن يثبتوا واجب الوجود حتى يثبتوا ممكن الوجود، والذي قد يكون قديماً، وهذا لا يمكن إثباته إلا بإثبات الممكن الذي هو حادث، وهذا لا يدل إلا على إثبات قديم، والقديم عندهم لا يستلزم أن يكون واجب الوجود.
وأيضاً فإذا أثبتوا واجب الوجود فإنهم لم يثبتوا أنه مغاير لهذه المشهودات إلا بطريقة التركيب، وهي باطلة.
وحينئذ فيمكن أن يقول لهم أهل الحلول: الواجب هو حال.
وإيضاح ذلك أنهم قسموا الوجود إلى واجب وممكن، لكن جعلوا الممكن منه ما هو قديم ومنه ما هو محدث، وحينئذ فلا يمكن إثبات الواجب إلا بإثبات هذا الممكن، وهذا الممكن لا يمكن إثباته.
وأيضاً فهم لا يثبتون الممكن إلا بإثبات الحادث، والحادث لا بد له من القديم، والقديم لا يستلزم أن يكون واجباً.