كلا لقد أجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع علمه بما فيه، وأنه أصوب الأقاويل، والأمر الذي يجب الإيمان به لقائله، ومن أجله شهد لها بالإيمان حين قالته، فكيف يكون الحق في خلاف ذلك، والكتاب ناطق به وشاهد له) .
قال:(ولو لم يشهد لصحة مذهب الجماعة في هذا الفن خاصة إلا ما ذكرنا من هذه الأمور، لكان فيه ما يكفي، كيف وقد غرس في بنية الفطرة ومعارف الآدميين من ذلك ما لا شيء أبين منه ولا أوكد؟ لأنك لا تسأل أحداً من الناس عنه، عربياً ولا عجمياً، ولا مؤمناً، ولا كافراً، فتقول: أين ربك؟ إلا قال: (في السماء) إن أفصح، أو أومأ بيده، أو أشار بطرفه، إذا كان لا يفصح لا يشير إلى غير ذلك من أرض ولا سهل ولا جبل، ولا رأينا أحداً داعياً له إلا رافعاً يديه إلى السماء، ولا وجدنا أحداً غير الجهمية يسأل عن ربه فيقول: في كل مكان، كما يقولون: وهم يدعون أنهم أفضل الناس كلهم، فتاهت العقول، وسقطت الأخبار، واهتدى جهم وحده وخمسون رجلاً معه، نعوذ بالله من مضلات الفتن) .
فقد ذكر ابن كلاب في هذا الكلام أن العلم بأن الله فوق، فطري، مغروز في فطر العباد، اتفق عليه عامتهم وخاصتهم، وأنه لم يخالف الجماعة في ذلك إلا نفر قليل يدعون أنهم أفضل الناس، جهم ونفر قليل معه، وبين أيضاً ابن كلاب أن قول الجهمية هو نظير قول الدهرية، وهو كما قال فإن منتهى كلام الجهمية إلى أنه لا موجود إلا العالم.
قال: (يقال للجهمية: أليست الدهرية كفاراً ملحدين في قولهم: