وهذا يظهر بالواجب المطلق، وهو الأمر بالماهية الكلية، كالأمر بإعتاق رقبة، فإن الواجب رقبة مطلقة، والمطلق لا يوجد إلا معيناً، لكن لا يكون معيناً في العلم والقصد، فالآمر لم يقصد واحداً بعينه، مع علمه بأنه لا يوجد إلا معيناً، وأن المطلق الكلي عند الناس وجوده في الأذهان لا في الأعيان، فما هو مطلق كلي في أذهان الناس لا يوجد إلا معيناً مشخصاً متميزاً في الأعيان، وإنما سمي كليا لكونه في الذهن كلياً، وأما في الخارج فلا يكون في الخارج ما هو كلي أصلاً.
وهذا الأصل ينفع في عامة العلوم، فلهذا يتعدد ذكره في كلامنا بحسب الحاجة إليه، فيحتاج أن يفهم في كل موضع يحتاج إليه فيه، كما تقدم، وبسبب الغلط فيه ضل طوائف من الناس، حتى في وجود الرب تعالي، وجعلوه وجوداً مطلقاً، إما بشرط الإطلاق، وإما بغير شرط الإطلاق، وكلاهما يمتنع وجوده في الخارج.
والمتفلسفة منهم من يقول: يوجد المطلق بشرط الإطلاق في الخارج، كما يذكر عن شيعة أفلاطون القائلين بالمثل الأفلاطونية، ومنهم من يزعم وجود المطلقات في الخارج مقارنة للمعينات، وأن الكلي المطلق جزء من المعين الجزئي، كما يذكر عمن يذكر عنه من أتباع أرسطو صاحب المنطق.
وكلا القولين خطأ صريح، فإنا نعلم بالحس وضرورة العقل أن الخارج ليس فيه شيء معين مختص لا شركة فيه أصلاً، ولكن المعاني الكلية العامة المطلقة في الذهن، كالألفاظ المطلقة والعامة في اللسان، وكالخط الدال علي تلك الألفاظ،