إنما نهي عنها لعلة الاشتباه، وهذا القول أغلب علي فطرة الفقهاء، والأول أغلب علي طريقة من لا يجعل في الأعيان معاني تقتضي التحليل والتحريم، فيقول: كلاهما نهي عنه، وإنما سبب النهي اختلف.
والتحقيق في ذلك أن المقصود للناهي اجتناب الأجنبية والميتة فقط، والمفسدة التي من أجلها نهي عن العين موجودة فيها فقط، وأما ترك الأخرى فهي من باب اللوازم فهنا لا يتم اجتناب المحرم إلا باجتنابه، وهنا لا يتم فعل الواجب إلا بفعله.
وهذا نظير من ينهاه الطبيب عن تناول شراب مسموم، واشتبه ذلك القدح بغيره، فعلي المريض اجتناب القدحين، والمفسدة في أحدهما، ولهذا لو أكل الميتة والمذكي لعوقب علي أكل الميتة، كما لو أكلها وحدها، ولا يزداد عقابه بأكل المذكي، بخلاف ما إذا أكل ميتتين فإنه يعاقب علي أكلهما أكثر من عقاب من أكل إحداهما.
إذا عرف هذا فقوله تعالى {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق}[البقرة: ٤٢] ، نهي عنهما، والثاني لازم للأول مقصود بالنهي، فمن لبس الحق بالباطل كتم الحق وهو معاقب علي لبسه الحق بالباطل، وعلي كتمانه الحق، فلا يقال: النهي عن جمعهما فقط، لأنه لو كان هذا صحيحاً لم يكن مجرد كتمان الحق موجباً للذم، ولا مجرد لبس الحق بالباطل موجباً للذم، وليس الأمر كذلك، فإن كتمان أهل الكتاب ما أنزل الله من البينات والهدي من بعد ما بينه للناس يستحقون به العقاب باتفاق المسلمين، وكذلك لبسهم الحق الذي أنزله الله بالباطل