والثاني نزاع لفظي، وهو من يقول المكان من يحيط بغيره، يقول آخر: ما يكون غيره عليه أو ما يتمكن عليه.
ولا ريب أن لفظ (المكان) يقال على هذا وهذا، ومن هنا نشأ تنازع أهل الإثبات: هل يقال: أن الله تعالى في مكان أم لا؟ هذا كتنازعهم في الجهة والحيز، لكن قد يقر بلفظ الجهة من لا يقر بلفظ (الحيز) أو (المكان) ، وربما أقر بلفظ الحيز أو المكان ومن لا يقر بالآخر.
وسبب ذلك إما إتباع ما ورد، أو اعتقاد في أحد اللفظين من المعنى المردود ما ليس في الآخر.
وحقيقة الأمر في المعنى أن ينظر إلى المقصود، فمن اعتقد أن المكان لا يكون إلا ما يفتقر إليه المتمكن، سواء كان محيطاً به أو كان تحته فمعلوم أن الله سبحانه ليس في مكان بهذا الاعتبار، ومن اعتقد أن العرش هو المكان، وأن الله فوقه، مع غناه عنه، فلا ريب أنه في مكان بهذا الاعتبار.
فمما يجب نفيه بلا ريب وافتقار الله إلى ما سواه، فإنه سبحانه غني عن ما سواه، وكل شيء فقير إليه، فلا يجوز أن يوصف بصفة تتضمن افتقاره إلى ما سواه.
وأما إثبات النسب والإضافات بينه وبين خلقه، فهذا متفق عليه بين أهل الأرض، وأما علوه على العالم ومباينته للمخلوقات، فمتفق عليه بين الأنبياء والمرسلين، وسلف الأمة وأئمتها، وبين هؤلاء الفلاسفة كما ذكر ذلك عنهم، لكن آخرون من الفلاسفة ينازعون في ذلك.