للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفهموا من كلامه ما لم يبينه لهم ويدلهم عليه، لإمكان معرفة ذلك بعقولهم، وأن هذا قدح في الرسول الذي بلغ البلاغ المبين الذي هدى الله به العباد وأخرجهم به من الظلمات إلي النور، وفرق الله به بين الحق والباطل، وبين الهدي والضلال، وبين الرشاد والغي، وبين أولياء الله وأعدائه، وبين ما يستحقه الرب من الأسماء والصفات وما ينزه عنه من ذلك، حتى أوضح الله به السبيل، وأنار به الدليل، وهدى به الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، والله يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم.

فمن زعم أنه تكلم بما لا يدل إلا علي الباطل لا علي الحق، ولم يبين مراده، وأنه أراد بذلك اللفظ المعنى الذي ليس بباطل، وأحال الناس في معرفة المراد علي ما يعلم من غير جهته بآبائهم، فقد قدح في الرسول، كما نبهنا علي ذلك في مواضع.

كيف والرسول أعلم الخلق بالحق، وأقدر الناس علي بيان الحق، وأنصح الخلق للخلق؟ وهذا يوجب أن يكون بيانه للحق أكمل من بيان كل أحد.

فإن ما يقوله القائل ويفعله الفاعل لا بد فيه من قدرة وعلم وإرادة، فالعاجز عن القول أو الفعل يمتنع صدور ذلك عنه، والجاهل بما يقوله ويفعله لا يأتي بالقول المحكم والفعل المحكم، وصاحب الإرادة الفاسدة لا يقصد الهدي والنصح والصلاح، فإذا كان المتكلم عالما بالحق قاصداً لهدى الخلق قصداً تاماً، قادراً علي ذلك وجب وجود مقدوره، ومحمد صلي الله عليه وسلم أعلم الخلق بالحق، وهو أفصح الخلق لساناً، وأصحهم بياناً، وهو أحرص الخلق علي هدي العباد، كما قال

<<  <  ج: ص:  >  >>