والبدع التي يعارض بها الكتاب والسنة التي يسميها أهلها كلاميات وعقليات وفلسفيات، أو ذوقيات ووجديات وحقائق وغير ذلك، لا بد أن تشمل علي لبس حق بباطل وكتمان حق، وهذا أمر موجود يعرفه من تأمله، فلا تجد قط مبتدعاً إلا وهو يحب كتمان النصوص التي تخالفه، ويبغضها، ويبغض إظهارها وروايتها والتحدث بها، ويبغض من يفعل ذلك، كما قال بعض السلف: ما ابتدع أحد بدعة إلا نزعت حلاوة الحديث من قلبه.
ثم إن قوله الذي يعارض به النصوص لا بد له أن يلبس فيه حقاً بباطل، بسبب ما يقوله من الألفاظ المجملة المتشابهة.
ولهذا قال الإمام أحمد في أول ما كتبه في الرد علي الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن، وتأولته علي غير تأويله مما كتبه في حبسه ـ وقد ذكره الخلال في كتاب السنة والقاضي أبو يعلي، وأبو الفضل التميمي، وأبو الوفاء بن عقيل، وغير واحد من أصحاب أحمد، ولم ينفه أحد منهم عنه ـ قال في أوله: الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلي الهدى، ويبصرون منهم علي الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمي، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من تائه ضال قد هدوه، فما أحسن أثرهم علي الناس وأقبح أثر الناس عليهم ! ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، متفقون علي