والمقصود هنا أن يقال: هذه الكليات: إما أن يقال: إنها ثابتة في الخارج، وإما أن لا يقال.
فإن لم يقل بذلك، لم يكن فيها حجة على إمكان وجود موجود في الخارج لا يشار إليه.
وإذا قيل بثبوتها في الخارج، فمن المعلوم أن هذا ليس من العلوم البديهية الأولية، بل لم يقل هذا إلا طائفة من أهل المنطق اليوناني، وهم متناقضون في ذلك، ويقولون القول، ويقولون ما يناقضه، وبعضهم ينكر على بعض إثبات ذلك.
وإذا كان كذلك لم يصلح أن يجعل مثل هذه القضية مقدمة في إبطال قضية اعترف بها جماهير الأمم، واعترفوا بأنها مركوزة في فطرهم، مغروزة في أنفسهم، وأنهم مضطرون إليها، لا يمكنهم دفعها عن أنفسهم.
لكن طائفة منهم تقول: إنها مع هذا خطأ، لاعتقادهم أنها - وإن كانت ضرورية في فطرتهم - ففطرتهم تسلم مقدمات تنتج نقيضها.
وهؤلاء لا ينازعون أنها فطرية، مبتدأة في النفوس، ولكن يقدحون فيها بطرق نظرية.
فإذا قال لهم المثبتون: نحن لا نقبل القدح في القضايا المبتدأة في النفس بالقضايا النظرية، أو قالوا: نحن لا نسلم لكم المقدمات التي تستدلون بها على نقيض هذه القضايا، كما لا نسلم لكم ثبوت الكليات في الخارج ونحو ذلك، ظهر انقطاع المعارض لهم، وأنهم يريدون دفع القضايا الضرورية بمجرد الدعاوى الوهمية الخيالية.