بأنه إما أكبر وإما أصغر وإما مساو، فإن هذا حكم على ذوات المقدار، فإذا قدر ما لا مقدار له وهو فوق غيره، لم يلزمه شيء من الأقسام الثلاثة، وإن كان مثل هذا الحكم مقبولاً، لزم الحكم بأن كل موجودين فلا بد أن يكون أحدهما محايثاً للآخر أو مبايناً له.
ومن المعلوم بضرورة العقل أنا إذا عرضنا على العقل، أو الوهم، أو الخيال، أو الحس - أو ما شئت فقل - قولين: أحدهما يتضمن إثبات موجود لا داخل العالم ولا خارجه ولا يشار إليه، والآخر يتضمن إثبات موجود خارج العالم، ليس بجسم ولا منقسم، ولا يكون أكبر من العالم ولا أصغر - كان إنكار العقل - إن أنكر القولين - للأول أعظم، وتجويزه - إن جوز القولين - للثاني أعظم.
فإن ادعى المدعي أن فساد قول من يثبت موجوداً خارج العالم، ولا أكبر ولا أصغر ولا مساوياً، معلوم بالضرورة.
قيل له: وفساد قول من يثبت موجوداً لا داخل العالم ولا خارجه، هو معلوم بالضرورة بطريق الأولى.
وقد تقدم بيان قول من يقول: إن فساد هذا القول معلوم بالضرورة، وإن المنازعون له يقولون: هذا حكم الوهم لا حكم العقل، فهكذا يقول هؤلاء: إن قولكم هذا فاسد، من حكم الوهم لا من حكم العقل.
ولكن هؤلاء النفاة فيهم جهل وظلم، فإنهم يحتجون على منازعيهم بحجة هي لهم ألزم، ويثبتون قولهم بحجة هي على قول منازعيهم أدل، وهذا القول مع أنه أقرب إلى العقل فهو أقرب للسمع، فإن صاحبه لا يحتاج أن يتأول النصوص المثبتة للعلو والفوقية والاستواء،