وهؤلاء النفاة حائرون: تارة يجعلون الإحاطة مناقضة للعلو، وتارة يجعلونها شرطاً في العلو لازمة له.
ونحن قد بينا خطأهم في هذا وهذا، فلا هي مناقضة له، ولا هي منافية له.
ولهذا كان الناس يعلمون أن السماء فوق الأرض، والسحاب فوق الأرض، قبل أن يخطر بقلوبهم أنها محيطة بالأرض.
وكذلك يعلمون أن الله فوق العالم، وإن لم يعلموا أنه محيط به، وإذا علموا أنه محيط لم يمنع ذلك علمهم بأنه فوق.
فتبين أنه ليس من شرط العلم بكون الشيء عالياً أن يعلم أنه محيط، ولو كانت الإحاطة شرطاً في العلم، امتنع العلم بالمشروط دون شرطه، ولكن لما كان في نفس الأمر الأفلاك عالية محيطة، كانت الإحاطة والعلو متلازمين في هذا - محال، فإن قدر أن كل عال فهو محيط، كان العلو والإحاطة متلازمين، وإن قدر وجود موجود عال ليس بمحيط لم تكن الإحاطة لازمة للعلو.
فقد تبين أنه بتقدير أن يكون الرب عالياً ليس بمحيط فهو عال، وبتقدير أن يكون عالياً محيطاً فهو عال، فثبت علوه على التقديرين، وهو المطلوب.
وإذا كان هذا معقولاً في مخلوقين، ففي الخالق بطريق الأولى.
وقد قررت هذا على وجه آخر بأن يقال: فإن قيل: المحيط لا يتميز منه جانب دون جانب بكونه فوقاً وسفلاً، فلا يمكن إذا قدر شيء