وكان النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم بذلك قبل نزول الآية خبراً مطلقاً، من المعلوم باتفاق الفقهاء أن الرجل إذا قال: والله لأفعلن كذا وكذا، ولم يكن هنا سبب ولا نية توجب التعجيل كان له أن يؤخره إلى وقت آخر، فلم يكن في ظاهر خطاب الله ورسوله ما يقتضي تعجيل إتيان البيت والطواف به.
ومع هذا لما ظن هذا الذي هو أفضل الأمة بعد أبي بكر، أن ظاهره يقتضي التعجيل، أورده على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم على صديقه، وأجاب كل منهما في مغيب الآخر بأنه ليس في الخطاب ما يقتضي التعجيل، وإنما الذي فهم ذلك من الخطاب غلط في فهمه.
فالغلط منه، لا لنقص في دلالة الخطاب.
وأيضاً ففي الصحيح أنه قال صلى الله عليه وسلم:«من نوقش الحساب عذب.
قالت عائشة: فقلت يا رسول الله، أليس الله يقول في كتابه:{فسوف يحاسب حسابا يسيرا}[الانشقاق: ٨] ، فقلت: ذلك العرض، ومن نوقش الحساب عذب» .
ومعلوم أن قوله:{فسوف يحاسب حسابا يسيرا}[الانشقاق: ٨] ، لا يدل ظاهره على أن المحاسب يناقش، بل الظاهر من لفظ الحساب اليسير أنه لا تكون فيه مناقشة، ومع هذا فلما قال: من نوقش عذب، فظنت امرأة تحبه ويحبها - وهي أحب النساء إليه، وأبوها احب الرجال إليه - أن ظاهر خطابه يعارض تلك الآية - سألته عن ذلك ولم تسكت.