للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن يعبد لأجل الانتقام من غيره بخلاف الأوثان، فإنها حجارة، فإذا عذبت لتحقيق عدم كونها آلهة، وانتقاماً ممن عبدها، كان ذلك مصلحة، ليس فيها عقوبة لمن لا يصلح أن يعاقب.

ولهذا قال تعالى: {ولما ضرب ابن مريم مثلا} [الزخرف: ٥٧] ، أي جعلوه مثلاً لآلهتهم فقاسوها به، فهذا حال من عارض النص الخبري بالقياس الفاسد، وهو حال الذين يعارضون النصوص الإلهية بأقيستهم الفاسدة، فيقولون: لو كان له علم وقدرة ورحمة وكلام وكان مستوياً على عرشه، للزم أن يكون مثل المخلوق الذي له علم وقدرة ورحمة وكلام ويكون مستوياً على العرش، ولو كان مثل المخلوق للزم أن يجوز عليه الحدوث، وإذا جاز عليه الحدوث امتنع وجوب وجوده وقدمه.

فهذا من جنس معارضة ابن الزبعري، حيث قاس ما أخبر الله عنه بشيء آخر ليس مثله، بل بينهما فرق، والفرق بين الله وبين مخلوقاته، أعظم من الفرق بين المسيح وبين الأوثان، فإن كلاهما مخلوق لله تعالى.

وأما قياس الخالق بالمخلوق، وقول القائل: لو كان متصفاً بالصفات والأفعال القائمة به، لكان مماثلاً للمخلوق المتصف بالصفات والأفعال القائمة به - ففي غاية الفساد، فإن تشابه الشيئين من بعض الوجوه لا يقتضي تماثلهما في جميع الأشياء، فإذا كان المسيح المشابه لآلهتهم في وجوه كثيرة لا تكاد تحصى - مثل كون هذا كان معدوماً وهذا كان معدوماً، وهذا محدث ممكن، وهذا محدث ممكن، وهذا مفتقر إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>