والثالث: كون هذا التماثل هو المراد بالمثل في لغة العرب التي نزل بها القرآن.
ومنشأ الغلط في الاشتباه والاشتراك والإجمال في لفظ (الجسم) ولفظ (المثل) .
فيقال: الجسم في لغة العرب هو البدن، وهو عندكم مما يمكن الإشارة إليه، فالهواء والماء والنار ونحو ذلك ليس جسماً في لغة العرب، وهو في اصطلاحكم جسم.
وإذا كان الجسم في لغة العرب أخص منه في عرفكم، وقد علم بصريح العقل أن الذهب ليس مثل الفضة، ولا الخبز مثل التراب، ولا الدم كالذهب، فما يسمى في لغة العرب (جسداً) و (جسماً) ونحو ذلك، هو مما يعلم أنه ليس متماثلاً بصريح العقل والحس، فكيف بما هو أعم من ذلك، مثل كونه يشار إليه، أو كونه يقبل الأبعاد الثلاثة: الطول والعرض والعمق؟ مع أن هذه الألفاظ ليس مرادهم بها ما هو معناها في اللغة المعروفة، فإن هؤلاء عندهم الحبة الواحدة، كالعدسة والسمسمة، بل الذرة التي قال الله فيها:{إن الله لا يظلم مثقال ذرة}[النساء: ٤٠] ، هي في اصطلاحهم طويلة عريضة عميقة.
ومن المعلوم بالاضطرار من لغة العرب أنهم يقولون عن نوع الإنسان: هذا طويل، وهذا قصير.