ومنها: أنهم يقولون: قصدهم لربهم عند الحاجات التي لا يقضيها إلا هو - هو أيضاً ضروري، وقصدهم لهم بتوجه قلوبهم إلى العلو أيضاً ضروري، فهم مفطورون على الإقرار به وأنه في العلو، وعلى انهم محتاجون غليه يسألونه عن الضرورات، وعلى انهم يقصدونه في العلو ولا في السفل، وأن قلوبهم بفطرتها تتوجه إلى العلو، اللهم إلا من أفسد فطرته وقصد أن يصدها عن مقتضاها مع أن هذا عند الحقيقة يغلب مع فطرته، ويظل عنه ما كان يفتريه.
ومنها أنهم يقولون: إن ذلك أمر متفق عليه بين العقلاء السليمي الفطرة، وكل منهم يخبر بذلك عن فطرته من غير موطأة من بعضهم البعض، ويمتنع في مثل هؤلاء أن يتفقوا على تعمد الكذب عادة، ويمتنع أيضاً غلطهم في الأمور الفطرية الضرورية، فإن ذلك يسد باب العلم والمعرفة، وأن يثق الإنسان بشيء من علومه.
ومتى قدح في مثل هذا، كان القدح في مقدمات ما يدعى أنه معارض لذلك أسهل بكثير، فإن المعارضين لا بد فيما يعارضون به من العقليات من قضايا تلقاها بعضهم عن بعض، فيجوز عليهم فيها من الاتفاق على الغلط وعلى تعمد الكذب، ما لا يجوز على المتفقين على قضايا لم يتلقها بعضهم عن بعض، مع كثرة هؤلاء وتنوع أصنافهم.
ومنها أنهم يثبتون العلو بطرق نظرية: كقولهم: كل موجودين فإما أن يكون أحدهما مبايناً للآخر، وإما أن يكون مداخلاً له، ونحو ذلك من الطرق المعلومة لهم، فمعهم من العلم الضروري، والقصد الضروري، واتفاق العقلاء الذين لم يتواطأوا على قضاياهم والعقليات