ومن المعلوم بالحس أن نفس الثمرة حادثة كائنة بعد أن لم تكن، وكذلك الإنسان وغيره.
كما قال تعالى:{أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا}[مريم: ٦٧] ، {قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا}[مريم: ٩] .
ومعلوم أن هذه المخلوقات خلقت من غيرها كما خلق الإنسان من نطفة، والطائر من بيضة، والثمر من شجرة، والشجرة من نواة، والسنبلة من حبة.
ومعلوم أن ما منه خلق هذا استحال وزال، فالحبة التي أنبتت سبع سنابل لم تبق حبة ولم يبق منها شيء، بل استحال.
وقد تنازع الناس في هذا الموضع، فقال طائفة من أهل الكلام: هنا أجسام وجواهر منتقلة من حال إلى حال، كالاجتماع بعد الافتراق، والافتراق بعد الاجتماع، وأت تلك الجوهر باقية، ولكن تغيرت صفاتها وأعراضها.
وأنكر هؤلاء أن تكون نفس الأعيان القائمة بنفسها انقلبت حقيقتها فاستحالت ذاتها، ولكن تغيرت صفاتها.
وهذا مبني على أن الأجسام مركبة من الجواهر المفردة.
وهؤلاء يقولون: إنما يعلم بالحس والضرورة حدوث ما يحدث من الأعراض والصفات، وأما حدوث شيء من الأجسام القائمة بأنفسها، فلا نعلمه إلا بالاستدلال.