وحينئذ فكل من الحوادث شملها خطاب الشارع، وتناولها الاعتبار الصحيح.
وخطاب الشارع العام الشامل دل عليها بطريق العموم الذي يرجع إلى تحقيق المناط، وهو في معنى قياس الشمول البرهاني.
والاعتبار الصحيح تناولها بطريق قياس التمثيل، الذي يتضمن التسوية بين المتماثلين، والفرق بين المختلفين.
والتماثل والاختلاف ثابت في نفس الأمر، وقد نصب الله عليه أدلة تدل عليه، وكما أن القياس الشمولي والتمثيلي يرجعان إلى أصل واحد، ولا يجوز تناقضهما إلا مع فسادهما أو فساد أحدهما، فكذلك الخطاب العام والاعتبار الصحيح يرجعان إلى أصل واحد، ولا يجوز تناقضهما إلا لفساد دلالتهما أو أدلة أحدهما.
وهذا تنبيه على مجامع نظر الأولين والآخرين في جميع استدلالهم، ومن تبصر في ذلك وفهمه وعلم ما فيه من الأحاطة.
وبين له أن دلائل الله تعالى لا تتناقض، وأن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق الموافق لصرائح المعقول، وأن ما شرعه للعباد هو العدل الذي به صلاح المعاش والمعاد، وإن فهم - مع ذلك - مسألة التحسين والتقبيح العقلي، وارتباطها بمسألة المناسبات، ورجوع جنس التحسين والتقبيح إلى حصول المحبوب ودفع المكروه - هو المعروف والمنكر - كما يرجع جنس الخبر إلى الوجود والعدم، وإن هذا يرجع إلى الحق النافع، وفي مقابلته الباطل الذي لا ينفع، وهذا يرجع إلى الحق