وكان أبو ذر الهروي قد أخذ طريقة ابن الباقلاني وأدخلها إلى الحرم، ويقال إنه أول من أدخلها إلى الحرم، وعنه أخذ ذلك من أخذه من أهل المغرب فإنهم كانوا يسمعون عليه البخاري ويأخذون ذلك عنه، كما أخذه أبو الوليد الباجي، ثم رحل الباجي إلى العرق، فأخذ طريقة الباقلاني عن أبي جعفر السمناني قاضي الموصل صاحب ابن الباقلاني، ونحن قد بسطنا الكلام في هذه المسائل وبينا ما حصل فيها من النزاع والاضطراب في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا أن الأئمة الكبار كانو يمنعون من إطلاق الألفاظ المبتدعة المجملة المشتبهة، لما فيه من لبس الحق بالباطل ن ممع ما توقعه من الاشتباه والاختلاف والفتنة، بخلاف الألفاظ المأثورة والألفاظ التي بينت معانيها، فإن ما كان مأثوراً حصلت له الألفة، وما كان معروفا حصلت به المعرفة، كما يرى عن مالك رحمه الله أنه قال: إذا قل العلم ظهر الجفاء، وإذا قلت الآثار كثرت الأهواء.
فإذا لم يكن اللفظ منقولاً ولا معناه معقولاً ظهر الجفاء والأهواء، ولهذا تجد قوماً كثيرين يحبون قوماً ويبغضون قوماً لأجل أهواء لا يعرفون معناها ولا دليلها، بل يوالون على إطلاقها أو يعادون، من غير أن تكون منقولة نقلا صحيحاً عن النبي صلى