الإنسان من نفسه على الله تعالى أنه قد كان نطفة، ثم تقلبت به الأحوال إلى أن انتهى إلى حال الكمال، فلا بد لهذا التنقل والتغير من مغير.
ولم يكن التغير في وقت أولى من وقت.
فلا يخلو ذلك المغير إما أن يكون قد اقتضى تغيرها على سبيل الإيجاب من غير اختيار بالطبع أو القالب، أو يكون اقتضى تغيرها على سبيل الاختبار وهو الفاعل.
ولا يخلو ذلك الفاعل إما أن يكون هو الإنسان أو غيره.
وإن كان غيره فلا يخلو إما أن يكون من جنسه أو من غير جنسه.
فإن كان من جنسه فإما أن يكون أبويه أو غيرهما.
فإن كان من غير جنسه فهو قولنا.
وسنبطل سائر الأقسام، ونثبت هذا الأخير.
أما أنه لا يجوز أن يكون الإنسان قد تشكل لأجل أن الرحم على شكل القالب، فلأن الكلام فيمن شكل ذلك القالب، كالكلام فيمن شكل الإنسان، ولأن القالب يقتضي تشكيل ظاهر ما يلقى فيه.
فما الذي اقتضى تشكيل باطن الإنسان ووضع أجزاء الباطن مواضعها؟ ولا يجوز أن يكون المقتضى لتغيير الإنسان وتشكيله طبيعية غير عالمة ولا مختارة، لأن الإنسان أبلغ في الترتيب والحكمة من بناء دار وصناعة تاج.
وكما لم يجز أن يحصل ذلك ممن ليس بعالم فكذلك الإنسان.
ألا ترى أن أعضاء الإنسان مقسومة على حسب المنفعة وموضوعة مواضعها؟ ولا يجوز أن يكون الإنسان هو