وأظهر من علم العقول بأن تخصيص أحد المثلين بشيء دون الآخر يحتاج إلى مخصص، ومن تصور هاتين القضيتين حق التصور، لم يمكنه - مع الشك في الأولى - أن يجزم بالثانية، بل قد لا يتصور إحداهما حق التصور.
ألا ترى أنه إذا قيل لمن صدق بالثانية: لم قلت: إن التقديم والتأخير لا بد له من مقدم ومؤخر؟ رجع إلى فطرته السليمة وحكم بذلك، وغايته أن يقول: الأشياء المتساوية لا يترجح بعضها على بعض إلا بمرجح.
فلو قال قائل: لما قلت ذلك؟ ولم لا يجوز أن يترجح هذا على هذا إلا بمرجح أصلاً؟ ويختص بما اختص به لا لمخصص أصلاً؟ لكان إنكاره لقول هذا القائل، دون إنكاره لقول من قال: لم قلت: إن هذه الحوادث لا تحدث إلا بمحدث؟
وهذا التأليفات والتركيبات الحادثة كانت، بعد أن لم تكن، لا بمؤلف ولا مركب، فإن ترجيح أحد المتساويين الحادثين على الآخر بلا مرجح، هو نوع من حدوث الحادث بلا محدث، فإن سوغ العقل حدوث حادث بلا محدث، سوغ ان يحدث أحد المثلين دون الآخر، بلا مخصص لحدوثه.