وإذا قدر أن بعض الناس احتاج إلى إزالة ما عرض له من هذه الشبه السوفسطائية، كان هذا من الأمراض النادرة التي لا تعرض لجمهور العقلاء، وعلاج هذا لا يحتاج إلى كتاب منزل من السماء يقصد به هدى الخلق، وبيان ما يحتاجون إليه في صلاح أمورهم.
ولو ذكر في القرآن مثل هذا، لم يكن لما يذكر من ذلك غاية، لأن الخواطر الفاسدة لا نهاية لها ولا ضابط، فكان يضيع زمان الناس في القراءة والسماع لما لا ينتفع به جماهيرهم، ويشتغلون بذلك عما لا بد لهم منه، ولا يصلح أمرهم إلا به.
ونحن لم يكن بنا حاجة - في الإيمان بالله ورسوله - إلى مثل هذه الطرق، وإنما ذكرناها لما كان الذين سلكوها يعارضون كلام الله ورسوله بمقتضاها، يزعمون أنه قد قامت عندهم أدلة عقلية تناقض ما جاءت به الرسل، فكشفنا حقائق هذه الطرق التي يعرضون بها، لنبين أن ما عارض النصوص منها لا يكون إلا باطلاً، وما لم يعارض النصوص: فقد يكون حقاً، وقد يكون باطلاً، وماكان حقاً ولم يعارض النصوص، فقد لا يحتاج إليه، بل في الطرق العقلية التي دلت النصوص عليها وهدت إليها ما يغني عن ذلك، بل تلك الطرق