وهذا قول أكثر المعتزلة والأشعرية وغيرهم: يقرون بالصانع المحدث من غير تجدد سبب حادث، ولهذا قامت عليهم الشناعات في هذا الموضع، وقال لهم الناس: هذا ينقض الاصل الذي أثبتم به الصانع، وهو أن الممكن لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح، فإذا كانت الأوقات متماثلة، والفاعل على حال واحدة، لم يتجدد فيه شيء أزلاً وأبداً، ثم اختص أحد الأوقات بالحدوث فيه، كان ذلك ترجيحاً بلا مرجح.
فقول أولئك الدهرية وقول محمد بن زكريا الرازي وأمثاله في إحالة الحدوث على تعلق النفس بالهيولى وأمثال ذلك، كل ذلك ينزع إلى أصل واحد، وهو إثبات حدوث حادث بلا سبب حادث.
والفلاسفة القائلون بقدم العالم، كأرسطو وابن سينا وأمثالهما، جعلوا هذا حجة على القائلين بحدوث العالم، لكن قولهم تضمن هذا وما هو أقبح منه، فإنهم زعموا أن الحوادث كلها تحدث عن علة تامة قديمة مستلزمة لمعلولها، لا يتأخر عنها شيء من معلولها، كما يقوله ابن سينا وأمثاله: إن الأول يحرك المتحركات، بمعنى أنها تتحرك للتشبه به، لا أنه أبدع حركتها، كما أنها لم يدعها عندهم، فلزم من