فإن صار أحدهما أولى، فلحضور شيء أو غيبته، فوجود كل ممكن الوجود من غيره) .
فقوله:(ما حقه الإمكان فليس يثير موجوداً من ذاته) قضي صحيحة وهي بينة بنفسها، فإن الممكن هو الذي يكون وجوده بنفسه.
فإذا قيل: ما لا يكون وجوده بنفسه فوجوده من غيره، كان هذا من القضايا البينة، ولكن هذا لا يعرف، بل ولا يثبت إلا في الأمور الحادثة، التي تكون موجودة تارة ومعدومة أخرى، كما اعترف، هو وسلفه وسائر العقلاء، لأن ما يمكن وجوده وعدمه لا يكون إلا محدثاً.
وقد ذكرنا ألفاظه وألفاظ غيره في غير هذا الموضع، ولم يمكنهم إقامة دليل على الافتقار إلى الفاعل إلا في المحدث.
وأما استدلاله على ذلك بقوله:(فليس وجوده في ذاته أولى من عدمه من حيث هو ممكن) فهذا لا يحتاج إليه، وهو متنازع فيه، وهو لم يقم عليه دليلاً، بل يقال: هو العدم باعتبار ذاته أولى به من الوجود، بل هو باعتبار مجرد ذاته لا يستحق إلا العدم، بل يقال: هذا باطل، فإن ما كان يفتقر إلى فاعل يفعله، يعلم بالضرورة أنه لا يوجد إلا بالفاعل الذي فعله، وأما عدمه فلا يفتقر فيه إلى شيء، وكل ما كان يمكن وجوده وعدمه، لا يكون وجوده إلا بموجد يوجده، وأما عدمه فلا يحتاج فيه إلى شيء.
وقوله:(فإن صار أحدهما فلحضور شيء او غيبته) هو أيضاً مما لا يحتاج إليه ولا بينه، ولا هو مسلم، بل هو باطل، إذ كان الممكن إنما يفتقر إلى غيره إذا كان موجوداً، فأما ما كان مستمراً على العدم، فلا يحتاج دوام عدمه إلى شيء، وحقيقة كلامه أنه صار الوجود فلحضور غيره، وإن صار العدم فلغيبة غيره، فيكون إنما عدم لغيبة سببه، وهذا كما قد عرف كلام ليس ببين، وهو متنازع فيه، بل هو باطل، وعند التحقيق تبين أن عدم الغير مستلزم لعدمه، ودليل على عدمه، لا أنه الموجب لعدمه.
وكلام القاضي أبي بكر وأبي الحسين البصري وأمثالهما في هذا