وأما المحدث الذي كان بعد عدمه، لم ينازع هؤلاء، ولا عامة العقلاء في أنه لا يترجح وجودهه على عدمه إلا بمقتض، فكان الاستدلال بترجيح وجود المحدث على عدمه، أولى من الاستدلال برجحان وجود كل ممكن، لو قدر أن الممكن أعم من المحدث فكيف أذا لم يكون الممكن إلا محدثاً؟ .
الثاني: أنه قال: (لم يكن بالحدوث أولى منه بالعدم لولا شيء اقتضى حدوثه) فبين أن رجحان الوجود على العدم لا يكون إلا بمقتض، لم يقل: إن رجحان أحد الطرفين على الآخر لا يكون إلا بمرجح.
وهذا الذي قاله أبو الحسين متفق عليه بين الطوائف، وهو بين في العقل ضروري فيه، بخلاف ما قاله أولئك، فإن فيه نزاعاً واضطراباً، وليس هو بينا في العقل، بل الصواب يقتضيه.
وكذلك أبو الحسين يقول دائماً:(ما كان موجوداً على طريق الجواز لم يكن بالوجود أولى منه بالعدم لولا فاعل) وهذا كلام صحيح، ولكن ابن سينا إنما أخذ هذه الطريق التي سلكها من كتب المعتزلة ونحوهم من متكلمي الإسلام، وأراد تقريبها إلى مذهب سلفه الفلاسفة الدهرية، ليصير كلامه في الإلهيات مقرباً لجنس كلام متكلمي المسلمين، ثم يأخذ المواضع التي خالف فيها المتكلمون للشرع