وابن رشد قرر طريقتهم على غاية ما أمكنه من الحسن والبيان، وهي كما ترى غايتها أن تكون الأجسام المتحركة محتاجة إلى آمر يحركها، والمراد بأمره بالحركة: كونه محبوباً لها، أي تحب أن تتشبه به، لا أنها تحب ذاته، كما ذكره سلفه الفلاسفة الذين بين طريقهم، وشبهه بالملك الآمر لمن دونه من نابه في مملكته بأوامر، وكل واحد يأمر من دونه، وكلها ترجع إلى الآمر الأول.
ومعلوم أن الآمر لم يبدع شيئاً من أعيان المأمورين: لا صفاتهم ولا أفعالهم، بل الملك الآمر له شعور بأمره، وطلب من المأمور، وأما كون الشيء محبوباً مشتاقاً إليه أو للتشبه به، فليس في هذا صدور أمر من أمر، ولا شعور بالمحب المشتاق، ولا طلب لفعل منه.
وابن رشد قرر بأن الآمر لها هو المبدع لها، بأنها لو كانت موجودة من ذاتها، أي قديمة من غير علة ولا موجد، لجاز عليها أن لا تأتمر لآمر احد لها بالتسخير، وألا تطيعه، كذلك حال الآمرين مع الآمر الأول، وإذا لم يجز ذلك عليها، فهنالك نسبة بينها وبينه اقتضت لها السمع والطاعة، وليس ذلك أكثر من أنها ملك له في عين وجودها.