قدم العالم لا يدل شيء منها على قدم الأفلاك، بل غاية ما يدل على أن الله لم يزل فاعلاً، وأنه لا بد قبل الأفلاك من شيء آخر موجود، ونحو ذلك مما لا يدل على قدم الأفلاك.
ثم إذا قدر ثبوت ذلك فقوله: يجب أن يكون المحرك للفلك واجب الوجود في الجوهر، وألا يكون فيه أصلاً لا على حركة ولا غيرها، فلا يكون جسماً، أي لا يقوم له فعل من الأفعال - دعوى مجردة.
ثم لم قدر أنه لا يقوم به فعل، فلم قال: إن ما لا يقوم به فعل لا يكون جسماً؟ يقال: غاية ما ذكره أن يكون ما قاله ممكناً.
فيقال: كما أنه يمكن ذلك فيمكن نقيضه.
فإنه كما يجوز أن يكون المحرك له غير متحرك.
فالمحرك المتحرك أولى بالجواز والإمكان.
ثم يقال: بل ما ذكرته هو على نقيض قولكم أدل منه على قولكم، وذلك لأن الفلك إذا كان دائم الحركة - وقد قررت أن المحرك له غيره - فالمحرك له إما أن يكون متحركاً وإما أن لا يكون.
فإن لم يكن متحركاً كان محركاً لغيره بدون حركة فيه.
وهذا إما أن يكون ممكناً وإما أن يكون ممتنعاً.
فإن كان ممكناً بطل مذهبهم، وإن أمكن فالفلك نفسه: إما أن يكون واجباً بنفسه، وإما أن يكون ممكناً، فإن كان واجباً بنفسه وحركته ممكنة، وهو محتاج في حركته