وحدوث الحوادث شيئاً بعد شيء عن علة تامة في الأزل لا يتأخر عنها شيء من موجبها ممتنع، فوجب أن يكون لحدوث تلك الحوادث أمراً يتعلق بالواجب، وذلك من لوازم الواجب، لا يفتقر إلى غير الواجب، وما منه بخلاف ما يقوم بالممكن، فإن الممكن نفسه مفتقر إلى غيره، فما فيه أولى أن يفتقر إلى غيره.
وهذا قد بسط في موضع آخر، وبين أنهم يلزمهم التناقض وفساد قولهم، سواء قدر الفلك واجباً بنفسه، أو قدر ممكناً واجباً بغيره.
والمقصود هنا إنما كان التنبيه على طرق الطوائف في إثبات الصانع، وأن ما يذكره أهل البدع من المتكلمة والمتفلسفة، فإما أن يكون طويلاً لا يحتاج إليه، أو ناقصاً لا يحصل المقصود، وأن الطرق التي جاءت بها الرسل هي أكمل الطرق وأقربها وأنفعها، وأن ما في الفطرة المكملة بالشرعة المنزلة يغني عن هذه الأمور المحدثة، وأن سالكيها يفوتهم من كمال المعرفة بصفات الله تعالى وأفعاله ما نيقصون به عن أهل الإيمان نقصاً عظيماً إذا عذروا بالجهل، وإلا كانوا من المستحقين للعذاب، إذا خالفوا النص الذي قامت عليهم به الحجة، فهم بين محروم ومأثوم.