للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأما الطريق الأول ففيه وجوه.

أحدها: أن العلم بحدوث ما يحدث، والاستدلال به على ثبوت الصانع ليس مفتقراً إلى أن يعلم: هل في النطفة جواهر منفردة أو مادة؟ وهل ذلك قديم أو حادث؟ بل مجرد حدوث ما شهد حدوثه يدل على أن له محدثاً، كما يدل حدوث سائر الحوادث على أن لها محدثاً.

وإن قال: فقصدي تعميم حدوث سائر الأجسام.

قيل له: فحينئذ لم يكن بك حاجة إلى ذكر حدوث الإنسان وحده من النطفة، بل كان هذا تطويلاً.

إذ كان ما به بثبت حدوث النطفة، به يثبت حدوث الإنسان ابتداء.

وحينئذ فيكون كلام الأشعري كلام من لا يعرف الاستدلال والنظر، كما قاله من اعترض عليه من المعتزلة، فإنه إذا كان لا بد في الاستدلال بالأجسام المخصوصة في آخر الأمر من دليل يتناول جميع الأجسام، كان ذكر هذا ابتداءً أولى من التطويل، لا سيما في مثل المختصر الذي يطلب فيه التقريب والتسهيل.

وأيضاً، فإن العلم بحدوث الحوادث المشهودة أظهر وأبين من العلم بحدوث جميع الأجسام، وذلك كاف في إثبات العلم بالصانع، فلماذا تجعل موقوفة على مقدمات لو كانت صحيحة، كان فيها من التطويل والغموض ما يوجب هذا كثيراً: إما عدم العلم، أو حصول ضده

<<  <  ج: ص:  >  >>