وكذلك قوله:«فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه» ، بين فيه أنهم يغيرون الفطرة التي فطر الناس عليها.
وأيضاً، فإنه شبه ذلك بالبهيمة التي تولد مجتمعة الخلق لا نقص فيه، ثم تجدع بعد ذلك، فعلم أن التغيير وارد على الفطرة السليمة التي ولد العبد عليها.
وأيضاً، فإن الحديث مطابق للقرآن، لقوله تعالى:{فطرة الله التي فطر الناس عليها} ، وهذا يعم جميع الناس، فعلم أن الله فطر الناس كلهم على فطرته المذكورة، وفطرة الله أضافها إليه إضافة مدح لا إضافة ذم، فعلم أنها فطرة محمودة لا مذمومة.
يبين ذلك أنه قال:{فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها} وهذا نصب على المصدر الذي دل عليه الفعل الأول عند سيبويه وأصحابه، فدل على أن إقامة الوجه للدين حنيفاً هو فطرة الله التي فطر الناس عليها، كما في نظائره، ومثل قوله:{كتاب الله عليكم} ، وقوله:{سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا} ، فهذا عندهم مصدر منصوب بفعل مضمر لازم إضماره، دل عليه الفعل المتقدم.
كأنه قال: كتب الله ذلك عليكم، وسن الله ذلك.
وكذلك هنا فطر الله الناس على ذلك: على إقامة الدين لله حنيفاً.